السبت، 8 مارس 2008

أزمة الدقيق ..

السبت 30 صفر 1429هـ الموافق 8 مارس 2008م العدد (2717) السنة الثامنة

غلَّة الهذيلي

قد لا تستحق أزمة الدقيق كل هذا التكرار الممل من الأدبيات لشعب يعتمد على الكبسة والرز، لا على الخبز، ولكن الأزمة، مع بالغ الشكر أظهرتنا وكأننا في مكان مع بنجلاديش ونيبال وتشاد ولست بالذي ينظر لهؤلاء الكرام بازدراء، عفواً، ولكنني كنت أظن أن باستطاعتنا أن نطعم كل الشعب بالجاتوه والكروسون المحشو بالعسل وأن نعترض بأموالنا كل البواخر التي تمخر المحيطات والبحار كي تفرغ حمولاتها في موانئنا بالدولار المضاعف.كنت قبل أزمة الدقيق غبياً ساذجاً (بافتراض أنني الوحيد الذي يمتلك هاتين الخصلتين) فصدقت حكاية الاستراتيجيات ومخازن الأزمات والطوارئ وحكاية - الكيس - الأبيض لليوم الأسود حتى اكتشفت أنني مجرد كيس فارغ من ضمن الرصَّة. كنت أمُرُّ مزهواً بجوار صوامع الغلال، تلك التي اكتشفنا أنها لا صومعة ولا غلة وكنت أقرأ عن إعانات الدقيق تلك التي تشتري الصاع بقيمة خمسة حتى جاءني بالأمس من همس في أذني - الفارغة - قائلاً إنها مجرد غلات على الورق فالصاع الذي نشتريه بخمسة، هو مجرد خمسة - صيعان - على الورق في مقابل واحد فقط يدخل الصومعة.
كنت أظن أن المساجد والصوامع لا يدخلها الفساد، وكنت إضافة لذلك أحترم مفردة - الغلة - لما لها من الإرث الغني في قاموسي القروي الساذج وإليكم القصة:
كان بقريتنا أسرة بالغة الطيبة حد تصديق كل من يحمل السيما الصالحة وذات يوم جاءها أحدهم مبشراً بغلَّة مكنوزة رآها في المنام في بيتهم وسط حظيرة الأغنام في الدور السفلي. ولكي يستخرجها لهم اشترط ذبيحة ثم اشترط بعدها ألا يدخلوا لحظيرة الغلة إلا بعد يومين ثم اكتشفوا بعد هروبه مجرد كومة من الدمن - وقد أكل الهذيلي حتى عظام الذبيحة.
السؤال: كم غلة لهذا - الهذيلي - في زوايا البلد؟ وكم خسرنا كي نكوِّم هذه الغلال المختلفة؟
مسؤول سابق يبشرنا أيام موجة غلاء الأرز ومشكلة استيراده أن لدينا مخزونا يكفي لعامين ثم اكتشفنا ارتفاع الضعف في شهرين. ثالث يزف بشارته أن لدينا من الوقود ما يكفي لعام بالتمام دون أن يبلغنا: من أين وكيف اختزنوه. كل جهة لها قوائم تصريحاتها حول مناسيب المخزون، ونحمد الله، أنها هذه المرة اختارت الدقيق، فالشعب مدمن للكبسة، ونحمد الله أن الهذيلي عاش ومات قبل أن نعرف حكاية المخزون والصومعة والأكل المستورد.